الزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي في الإدارة الأمريكية "جايك سوليفان" في الفترة ما بين 18-20 كانون ثاني (يناير) الجاري، والتي التقى خلالها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، ورئيس الكيان الصهيوني "يتسحاق هرتسوغ، ورئيس "مجلس الأمن القومي" الصهيوني "تساحي هنغبي"، ووزير الأمن "يؤاف غلانت"، ووزير الخارجية "إيلي كوهين"، إضافة إلى مسؤولين آخرين سياسيين وأمنيين، استهدفت مسألتين رئيسيتين، بالإضافة إلى ملفات أخرى متعلقة بالتهديد النووي الإيراني والعلاقات الروسية الإيرانية المتطورة ،ممثلةً بدعم إيران عسكريا لروسيا، مقابل تزويد روسيا لإيران بتقنيات تصنيع عسكري متطورة، والأزمة الأوكرانية وآفاق التطبيع مع دول عربية أخرى، خاصةً السعودية.
والمسألتان الرئيسيتان، اللتان توخاهما "سوليفان من زيارته هما: التأكد من وضعية نظام الحوكمة الإسرائيلي في ضوء انقلاب نتنياهو على الديمقراطية، عبر سعيه لتغيير قوانين المنظومة القضائية، بدعم من "الصهيونية الدينية المتطرفة"، والمسألة الأخرى حث السلطة على بذل مزيد من الجهود، لضبط الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، ومنع مقاومة الشعب الفلسطيني، الذي شب عن طوق التنسيق الأمني، وأفشله إلى حد كبير في الحد من عمليات المقاومة المسلحة.
المطالب الأمريكية من حكومة العدو
في المسألة الأولى أراد "سوليفان" أن يوجه رسالة تحذير من أن الانقلاب على الديمقراطية يشكل خطراً على الكيان واستقراره الداخلي، مطالباً نتنياهو التراجع عن قراره بإجراء تغييرات قانونية جذرية تمس القضاء الإسرائيلي، باعتباره أحد أهم أركان الديمقراطية المعمول بها في (إسرائيل) منذ إنشاء الكيان الغاصب عام 1948، خاصةً بعد أن سيرت المعارضة مظاهرات بعشرات الألوف في كل من تل أبيب و القدس وحيفا، وبعد أن أعلنت أنها في طريقها للتصعيد لإسقاط هذا الانقلاب، ناهيك عن تحذير "سوليفان": "من تصاعد السجالات وعمليات التحريض والتخوين والتهديد، بين المسؤولين الحاليين والسابقين وجماهير الأحزاب المختلفة" ما يهدد – حسب العديد من المحللين الصهاينة -الاستقرار الداخلي في (إسرائيل)، وقد يدفع الأمور باتجاه نشوب حرب أهلية... هذا (أولاً) (وثانياً) التأكد من أن نتنياهو قادر على ضبط تطرف طرفي الصهيونية الدينية: "ايتمار بن غفير" و"باتسلئيل سموطريتش" بعد أن آلت إليهما صلاحيات غير مسبوقة في الضفة الغربية، من خلال إسناد وزارة الأمن القومي للأول ووزارة مناظرة في وزارة الحرب للثاني، ما يعني تجريد وزير الحرب الإسرائيلي ورئيس الأركان من معظم صلاحياتهما، بحيث تؤول صلاحيات الإدارة المدنية وحرس الحدود والشرطة في الضفة الغربية للوزيرين المتطرفين، بعد أن سهل نتنياهو مهمتهما، في طرح مشاريع منع رفع العلم الفلسطيني، وسحب الجنسية من الأسرى المحررين في القدس ومناطق 1948، وتصعيد عمليات القتل ضد الفلسطينيين، التي أدت خلال أقل من ثلاثة أسابيع، إلى ارتقاء ما يزيد عن (15) شهيداً في الضفة الغربية.
وكانت الإدارة الأمريكية قد أبدت قلقها وتحذيراتها، من توجهات حكومة أقصى اليمين، وبات يساورها الشك بشأن قدرة نتنياهو، على تنفيذ وعوده بإمساك كل الخيوط بيديه، وأنه سيشكل مرجعية لكل قرار يصدر عن وزيري الصهيونية الدينية.
ومنشأ هذا التحذير والقلق الأمريكيين، يعود إلى خشية الإدارة الأمريكية، من أن تطرف الحكومة التي باتت رهينة بيد القوى الدينية المتطرفة، يلهب نار الانتفاضة الفلسطينية، وقد يقود إلى حرب إقليمية مع أطراف محور المقاومة، وهي في وضع غير مستعدة لمواجهتها جراء انشغالها في الحرب الأوكرانية مع روسيا، وفي إدارة الصراع مع الصين التي باتت تؤرقها بحكم دورها الاقتصادي الصاعد، الذي بات على وشك إزاحة الولايات المتحدة من ترتيبها الأول في تصدر الاقتصاد العالمي، وجراء التحالف الاقتصادي وشبه العسكري بين موسكو وبكين.
لقد طلب مستشار الأمن القومي الأمريكي من نتنياهو، ضبط سلوك تطرف شركائه في الحكومة، والتراجع عن التغييرات المزمع إجراءها في المنظومة القانونية والقضائية الإسرائيلية، وضبط التصعيد في الأراضي المحتلة، بما في ذلك وقف اقتحامات المسجد الأقصى ، وعدم إجراء أي تغيير في الوضع القائم للمقدسات الاسلامية في القدس، ووقف عمليات التضييق الاقتصادي على السلطة الفلسطينية، مقابل منح ووعود ومزايا كبيرة ل (إسرائيل) على أكثر من صعيد في حال التزم بالمطالب الأمريكية، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن تزويد (إسرائيل) بالأسلحة المتطورة، غير مرتبط بالمطالب الأمريكية، بحكم العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وبحكم أن هذا الكيان مصلحة استراتيجية أمريكية.
حوافز ومزايا
لقد حدد "سوليفان" الحوافز والمزايا والتي ستوفرها الإدارة الأمريكية ل (إسرائيل) في حال التزمت بالمطالب الأمريكية، وتشمل هذه المزايا ما يلي:
1- أن تبذل الإدارة الأمريكية، جهداً كبيراً باتجاه اقناع السعودية، أو الضغط عليها للقبول بالتطبيع العلني مع (إسرائيل)، رغم المعيقات التي قد تعترض هذه الجهود، خاصةً تلك المتعلقة برفض ولي العهد محمد بن سلمان طلب الإدارة الأمريكية زيادة إنتاج النفط، وتلك المتعلقة بتردد واشنطن، في تزويد السعودية بالأسلحة المتطورة، اللازمة لحربها على اليمن، وكذلك تحفظ الرئيس بايدن على العلاقات الاقتصادية المتميزة مع الصين.
2- تتعهد الإدارة الأمريكية بفرملة تأثير أي من القرارات التي قد تصدر عن محكمة العدل الدولية، التي تدين ممارسات الاحتلال باعتباره غير شرعي، بعد أن استجابت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمطلب السلطة الفلسطينية، بتوجيه طلب إلى المحكمة بشأن إبداء رأي حول الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
3- تتعهد الإدارة الأمريكية بالضغط على السلطة الفلسطينية، لتفعيل التنسيق الأمني، لمنع عمليات المقاومة التي باتت تؤرق الاحتلال، وتدفع أجهزته الأمنية إلى حالة غير مسبوقة من العجز والإحباط.
4- تتعهد الإدارة الأمريكية بالتنسيق مع (إسرائيل) لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي وأن تنسق معها في أية مفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي.
جوائز الترضية للسلطة الفلسطينية
لقاء مستشار الأمن القومي مع رئيس السلطة " محمود عباس "، انطوى على مطالب محددة من السلطة ممثلةً "بتهدئة التوترات في الضفة الغربية، وتقوية المؤسسات"، أي تفعيل التنسيق الأمني والمؤسسات التي تقف ورائه.
وبالمقابل لم يعد "سوليفان" رئيس السلطة محمود عباس، بشيء ذي أهمية، مقابل طلبه منه بقمع مقاومة الشعب الفلسطيني، وتفعيل التنسيق الأمني خدمةً للاحتلال، سوى الحديث الشكلي عن حل الدولتين"، وسبق أن أدلى وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" بتصريح جاء فيه: "أن حل الدولتين غير قابل للتطبيق، رغم قناعة الإدارة الأمريكية به".
والشيء الوحيد الذي قدمه للسلطة الفلسطينية، هو جائزة الترضية ممثلةً (أولاً) بدعم شبكة مستشفيات القدس الشرقية، وإنشاء بنية تحتية لتقنية شبكة الجيل الرابع في الضفة الغربية و(ثانياً) وبعبارة العلاقات العامة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع "تعزيز تدابير متساوية من الازدهار، وتحقيق الأمن للفلسطينيين والإسرائيليين"، لكنه ويا للأسف "كسر بخاطر" رئيس السلطة، بعدم استجابته لمطلب إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.